ظهور الخلاف العقدي بنشأة الخوارج
ثم إنه لما جاء زمن عثمان بدأت بوادر الفتنة تظهر، وفي عهد علي رضي الله عنه انكشفت وظهرت، فكانت أول فرقة انحازت عن جسم الأمة وتميزت عنه بمعتقد مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة هي فرقة الخوارج ، وهنا بدأ الخلاف الحقيقي. وأصل الخوارج هو ذو الخويصرة عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (اعدل يا محمد، إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله)، فهذا الرجل وجد أن المهاجرين والأنصار السابقين في الإسلام لم يعطوا من الغنائم شيئاً، وأما زعماء وأمراء المؤلفة قلوبهم -مثل الأقرع و عيينة و مرداس - فقد أخذوا من الشاء والإبل الشيء الكثير، فبالنظرة المجردة قال: أليس الذي يستحق الغنيمة هم المجاهدون السابقون؟! فكيف تكون للذين أسلموا قريباً فيعطون ويذهبون بالغنائم التي جاهد من أجلها السابقون الأولون؟! فنظره القاصر هو الذي جعله يقول: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله.إذاً: فأصل كفر الخوارج هو الغلو الذي ينسي صاحبه المصالح والمفاسد والأحكام المترتبة على الأعمال، ولذلك ما نظر إلى أن للنبي صلى الله عليه وسلم حكمة في هذا العمل وهو رسول الله، فمن باب أولى أن ينتقدوا على علي رضي الله عنه أو على أي إمام يأتي من بعده. فهذا الرجل الذي تخرج الخوارج من ضئضئه لم يصبر على ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم وقسمه بنفسه؛ لأنه يخالف ما يرى هو أنه حق. والواقع أننا إذا رأينا ما يخالف الحق في أنظارنا ننكره، وقد كان يحصل من بعض الصحابة إنكار ما يرون الحق في خلافه، كما حصل من عمر رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية، وفي أسارى بدر، ولكن هناك فرق كبير بين إنكار هذا الرجل وإنكار الصحابة، فمواقف الصحابة ليس فيها غلو، وإنما فيها قول الحق والنصح، وهما مطلوبان، مع إيمانهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم عدل يراعي المصالح والمفاسد، أما هذا فإنه ضرب على ذلك كله وأنعاه كله. فـالخوارج دفعهم الغلو إلى أن ينكروا المصالح والمفاسد بالكلية ليصبح اعتراضهم خروجاً واعتراضاً على فعل رسول الله وحكمه ودينه، وفرق بين الاعتراض والخروج وبين النصح وإبداء الرأي وإبداء المشورة، فهذه من العبر التي يجب أن نعرفها ونتعظ بها، فنحن في حياتنا العامة نتعرض لمقام يجب علينا النصح فيه لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن يجب أن نفرق بين هذا وبين الغلو الذي يفضي بصاحبه إلى الاعتراض على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.إذاً: الغلو الذي حذر الله تعالى منه أهل الكتاب بقوله تعالى: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ))[النساء:171]، وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إياكم والغلو ) هو الذي وقع فيه الخوارج ، فغلوا في الإيمان، ولم يكن ذلك رغبة منهم في الكفر بالإيمان، فوصلوا بذلك إلى نهاية هي الضلال والانحراف والزيغ الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )، وقال فيهم: ( لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد ). فأول خلاف حقيقي وقع في الأمة هو خلاف الخوارج .